الأربعاء، 26 مارس 2014

تطهير العصاة

تطهير العصاة

سمعت بأنه سيتم يوم القيامة تطهير جميع من سيدخل الجنة بأن يذهبوا للنار أولاً حتى يطهروا من سيئاتهم ثم يدخلون الجنة وسيُستثنى المسلم الذي ضمن الله له الجنة والشهيد، فهل هذا صحيح ؟.

الحمد لله
أولاً :
لعل السائل يشير إلى قول الله تعالى : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيا . ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } وهذا الخطاب لسائر الخلق ، برهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، أنه ما منهم من أحد إلا سَيرِد النار ، حكماً حتمه الله على نفسه ، وأوعد به عباده ، فلا بد من نفوذه ، ولا محيد عن وقوعه .
واختُلِفَ في معنى الورود فقيل : ورودها ، حضورها للخلائق كلهم ، حتى يحصل الانزعاج من كل أحد ثم بعدُ ينجي الله المتقين .
وقيل : ورودها ، دخولها ، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً .
وقيل الورود هو المرور على الصراط الذي هو جسم على ظهر جهنم ، فيمر الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، وكأجاويد الركاب .
ومنهم من يسعى ، ومنهم من يمشي مشياً ، ومنهم من يزحف زحفاً ، ومنهم من يُخطف فيُلقى في النار ، كلٌّ بحسب تقواه ، ولهذا قال : { ثم ننجي الذين اتقوا } الله تعالى بفعل المأمور ، واجتناب المحظور { ونذر الظالمين } أنفسهم بالكفر والمعاصي { فيها جثيا } وهذا بسبب ظلمهم وكفرهم ، وجب لهم الخلود وحقَّ عليهم العذاب ، وتقطعت بهم الأسباب . انتهى من تفسير ابن سعدي ص 811
ثانياً :
لابد لمن سيدخل الجنة أن يتطهر من جميع ذنوبه قبل دخولها ، وتطهير العصاة من ذنوبهم يحصل في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا جعل الله لعباده طرقاً يتخلصون بها من عقوبات معاصيهم وسيئاتهم بالاستغفار والتوبة النصوح والحسنات الماحية ..
وقد تقدم الكلام على ذلك في السؤال رقم ( 13693 ) .
وأما تطهير العصاة في الآخرة فإنه يحصل بأمور :
1- دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته فعن عائشة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ميت يصلي عليه أُمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِّعوا فيه " رواه مسلم (947)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " رواه مسلم (948)
... فعُلم أن هذا الدعاء من أسباب المغفرة للميت .
2- ما عمله الإنسان من الصدقات الجارية في حياته فإنه ينتفع بها بعد موته .
3- ما يُعمل للميت من أعمال البر كالصدقة والحج ونحو ذلك فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " رواه مسلم 1638
4- ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة ، فإن هذا مما يُكفر به الخطايا .
5- شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة مثل قوله في الحديث الصحيح شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقوله صلي الله عليه وسلم خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر أترونها للمتقين لا ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين . رواه ابن ماجه 4311 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة 3480
6- أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها .
7- رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ " رواه البخاري 6469
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ( أي ستره ) وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " رواه البخاري 2441
8- ما ثبت في الصحيحين أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا . رواه البخاري 6535
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
قَوْله ( إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّار ) أَيْ نَجَوْا مِنْ السُّقُوطِ فِيهَا بَعْدَمَا جَازُوا عَلَى الصِّرَاط .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : هَؤُلاءِ الْمُؤْمِنُونَ هُمْ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الْقِصَاص لا يَسْتَنْفِدُ حَسَنَاتِهِمْ .
قُلْت ( الحافظ ) : وَلَعَلَّ أَصْحَاب الأَعْرَاف مِنْهُمْ عَلَى الْقَوْل الْمُرَجَّحِ آنِفًا , وَخَرَجَ مِنْ هَذَا صِنْفَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ : مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ; وَمَنْ أَوْبَقَهُ عَمَلُهُ .
أَوْبَقَهُ : أي أهلكه
قَوْله ( فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ) ... الصِّرَاط جِسْرٌ مَوْضُوعٌ عَلَى مَتْنِ ( أي : ظهر ) جَهَنَّمَ والْجَنَّة وَرَاءَ ذَلِكَ فَيَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ بِحَسَبِ أَعْمَالهمْ , فَمِنْهُمْ النَّاجِي وَهُوَ مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ أَوْ اِسْتَوَيَا أَوْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ , وَمِنْهُمْ السَّاقِطُ وَهُوَ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ إِلا مَنْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ , فَالسَّاقِط مِنْ الْمُوَحِّدِينَ يُعَذَّبُ مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا , وَالنَّاجِي قَدْ يَكُون عَلَيْهِ تَبِعَاتٌ وَلَهُ حَسَنَات تُوَازِيهَا أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا يَعْدِلُ تَبِعَاتِهِ فَيَخْلُصُ مِنْهَا .
قَوْله ( حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا ) َهُمَا بِمَعْنَى التَّمْيِيزِ وَالتَّخْلِيصِ مِنْ التَّبِعَاتِ . انتهى
فإن لم يتطهر المسلم الموحد العاصي من معاصيه بسبب من هذه الأسباب فإنه يدخل النار ليتم تطهيره فيها ولكنه لا يخلد في النار بل يخرج بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" أما العصاة : كقاتل النفس بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون ، وهكذا أشباههم هم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيده وإخلاصهم لله وكونهم مسلمين أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم .
وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها ، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يشفع للعصاة من أمته ، وأن الله يحد له حدا في ذلك عدة مرات ، يشفع ويخرج جماعة بإذن الله ثم يعود فيشفع ، ثم يعود فيشفع ، ثم يعود فيشفع عليه الصلاة والسلام ( أربع مرات ) ، وهكذا الملائكة وهكذا المؤمنون وهكذا الأفراط ( وهم الأولاد الذين ماتوا قبل البلوغ ) كلهم يشفعون ويخرج الله سبحانه من النار بشفاعتهم من شاء سبحانه وتعالى ويبقى في النار بقية من العصاة من أهل التوحيد والإسلام فيخرجهم الرب سبحانه بفضله ورحمته بدون شفاعة أحد ، ولا يبقى في النار إلا من حكم عليه القرآن بالخلود الأبدي وهم الكفار . انتهى مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (9/380)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ... حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... رواه البخاري 6574 ومسلم 172
امْتُحِشُوا : أي احترقوا
حَمِيلِ السَّيْلِ : أي ما يحمله السيل من طين ونحوها
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... رواه مسلم 185
ومعنى ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ ( أي : جماعات متفرقة )
نسأل الله أن يرحمنا برحمته ... وأن يتجاوز عنا .. والحمد لله رب العالمين
والله أعلم

معنى قول الله عز وجل : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك )

معنى قول الله عز وجل : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك )

أرجو شرح معنى هذه الآية وبيان القول الراجح في تفسيرها ، يقول الله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) هل يفهم من هذا أن من دخل الجنة يخرج منها إذا شاء الله ؟ وهل نسخت هاتان الآيتان بشيء من القرآن إذ أنهما وردتا في سورة مكية ؟ .

الحمد للهقال الشيخ ابن باز رحمه الله  :
الآيتان ليستا منسوختين بل هما محكمتان ، وقوله جل وعلا : ( إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) اختلف أهل العلم في بيان معنى ذلك ، مع إجماعهم بأن نعيم أهل الجنة دائم أبدا لا ينقضي ولا يزول ولا يخرجون منها ، ولهذا قال بعده سبحانه : ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) لإزالة ما قد يتوهم بعض الناس أن هناك خروجا ، فهم خالدون فيها أبدا ، وأن هذا العطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع ، ولهذا في الآيات الأخرى يبين هذا المعنى فيقول سبحانه : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ) فبين سبحانه أنهم آمنون - أي آمنون من الموت وآمنون من الخروج وآمنون من الأمراض والأحزان وكل كدر - ثم قال سبحانه وتعالى : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ) فبين سبحانه أنهم فيها دائمون لا يخرجون وقال عز وجل : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) فأخبر سبحانه أن أهل الجنة في مقام أمين لا يعترضهم خوف ولا زوال نعمة وأنهم آمنون أيضا ، فلا خطر عليهم من موت ولا مرض ولا خروج منها ولا حزن ولا غير ذلك من المكدرات ، وأنهم لا يموتون أبدا ، ومعنى ذلك أن أهل الجنة يخلدون فيها أبد الآباد .
وقوله : ( إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) قال بعض أهل العلم معناه : مدة بقائهم بالقبور وإن كان المؤمن في روضة من رياضها ونعيم من نعيمها ، لكن ذلك ليس هو الجنة ، ولكن هو شيء من الجنة ، فيفتح على المؤمن في قبره باب إلى الجنة يأتيه من ريحها وطيبها ونعيمها ، ثم يُنقل بعد ذلك إلى الجنة فوق السموات في أعلى شيء .
وقال بعضهم معنى : ( إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) أي مدة مقامهم في موقف القيامة للحساب والجزاء بعد خروجهم من القبور ثم ينقلون بعد ذلك إلى الجنة . وقال بعضهم المراد جميع الأمرين مدة مقامهم في القبور ومدة مقامهم في الموقف ومرورهم على الصراط كل هذه الأوقات هم فيها ليسوا في الجنة لكن ينقلون منها إلى الجنة وقوله : ( إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) يعني إلا وقت مقامهم في القبور ، وإلا وقت مقامهم في الموقف وإلا وقت مرورهم على الصراط فهم في هذه الحالة ليسوا في الجنة ولكنهم منقولون إليها ، وسائرون إليها ، وبهذا يعلم أن الأمر واضح ليس فيه شبهة ولا شك ولا ريب فالحمد لله .
فأهل الجنة ينعمون فيها وهم خالدون أبد الآباد . لا موت ولا مرض ، ولا خروج ، ولا كدر ، ولا حزن ، ولا حيض ، ولا نفاس ، ولا شيء من الأذى أبدا ، بل في نعيم دائم وخير دائم .
 وهكذا أهل النار مخلدون فيها أبد الآباد ولا يخرجون منها ولا تخرب أيضا هي بل تبقى وهم باقون فيها وقوله : ( إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) قيل مدة مقامهم في المقابر ، أو مدة مقامهم في الموقف كما تقدم في أهل الجنة ، وهم بعد ذلك يساقون إلى النار ويخلدون فيها أبد الآباد ونسأل الله العافية ، وكما قال عز وجل في سورة البقرة : ( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِين مِنَ النَّارِ ) وقال عز وجل في سورة المائدة في حق الكفرة : ( يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) وقال بعض السلف إن النار لها أمد ولها نهاية بعد ما يمضي عليها آلاف السنين والأحقاب الكثيرة وأنهم يموتون أو يخرجون منها وهذا القول ليس بشيء عند جمهور أهل السنة والجماعة بل هو باطل ترده الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة كما تقدم وقد استقر قول أهل السنة والجماعة إنها باقية أبد الآباد وأنهم لا يخرجون منها وأنها لا تخرب أيضا ، بل هي باقية أبد الآباد في ظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن الأدلة على ذلك مع ما تقدم قوله سبحانه في شأن النار : ( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) وقوله سبحانه في سورة النبأ يخاطب أهل النار : ( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ) نسأل الله السلامة والعافية منها ومن حال أهلها .
انظر مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز م/4 ص/361 ومن الآيات التي دلّت صراحة على خلود أهل النار خلوداً أبدياً :
1- قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) سورة النساء /169 2- قوله تعالى : ( إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) سورة الجن / 23 3- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا(64)خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا(65) سورة الأحزاب  . والله أعلم .

هل في الجنة مطار وطائرات ؟

هل في الجنة مطار وطائرات ؟

ربما يبدو سؤالي طفوليّاً ، إذا كان شخص يحب شيئاً في هذه الدنيا حبّاً عظيماً ، فهل يحصل عليه في الجنة  ؟ كأن يحب الطائرات مثلاً ، فهل يحصل عليها في الجنة ؟ وهل يمكن أن يحصل على مطار أيضاً ؟.

الحمد لله
ليس هذا السؤال طفوليّاً ، بل هو شرعي من عاقل يحسن السؤال ويبحث عن الفائدة وعما يزيد شوقه للجنة وعمله للوصول لها ، وقد سأل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما هو من جنس هذا السؤال .
فعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل في الجنة من خيل ؟ قال : إنِ اللهُ أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت ، قال : وسأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه ، قال : إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك .
رواه الترمذي ( 2543 ) ، والحديث حسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 3 / 522 ) .
أما عن موضوع سؤالك المعين عمن يحب الطيران والطائرات فقد ورد في جنس هذا النعيم أحاديث صحيحة متنوعة .
فقد ثبت أن أرواح الشهداء في حواصل طير في الجنة تسرح حيث شاءت رواه مسلم ( 2410 ) .
وثبت أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يطير في الجنة بجناحين إكراماً من الله عز وجل بدل يديه اللتين قطعتا في غزوة مؤتة .
فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيتُ جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة " .
رواه الترمذي ( 3763 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 3465 ) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سلم على ابن جعفر قال : السلام عليك يا ابن ذي الجناحين .
رواه البخاري ( 3506 ) .
والظاهر أن طيران الإنسان بنفسه أبلغ عند أكثر الناس من طيرانه بواسطة ، وأن طيرانه بالخيل في الجنة كما في الحديث المذكور في أول السؤال أبلغ من الطيران بالطائرات ، وقد جاءت آيات وأحاديث في أن للإنسان في الجنة من النعيم ما تشتهيه نفسه وأبلغ من ذلك .
كما في قوله الله تعالى : { يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون } الزخرف / 71 .
قال السعدي في تفسير هذه الآية :
" ما تشتهيه الأنفس " هذا اللفظ جامع يأتي على كل نعيم وفرح وقرة عين وسرور قلب ... على أكمل الوجوه وأفضلها .
وقوله تعالى : { جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين } النحل / 31 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : قال الله : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فاقرءوا إن شئتم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
رواه البخاري ( 3072 ) ومسلم ( 2824 ) .
فينبغي أن يقرر الإنسان في نفسه كمال الجنة المطلق وكمال سعادة أهلها .
أما الجزم بأن في الجنة طائرات ومطارات ونحو ذلك مما لم يرد إثباته في النصوص فهذا من علم الغيب الذي يحتاج إلى دليل .
ونقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك )
نسأل الله أن يعيننا وإياك للعمل بما يقودنا إلى النعيم المقيم في الجنة .
والله أعلم .

حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب

حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب


السؤال :
في صحيح البخاري ذكر الحديث أن 70,000 من الناس سيدخلون الجنة ،
الثلاثة أجيال الأولى قد يصل عددهم إلى 70,000 فهل هناك تفسير آخر للحديث

الجواب:
الحمد لله
لعلّك أيها الأخ السائل تُشير إلى حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب والذي رواه الشيخان وأحمد وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو تأملت هذا الحديث سيزول - إن شاء الله - الإشكال الذي أوردته في سؤالك ، روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا ؟ أُمَّتِي هَذِهِ ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .. ". رواه البخاري 5270
فمقصود الحديث بيان أن هنالك فئة من هذه الأمة يدخلون الجنة من غير حساب لا أن عدد أهل الجنة من هذه الأمة سبعون ألفا ، فهؤلاء السبعون ألفا المشار إليهم في الحديث هم في منزلة عالية من هذه الأمة لمزايا خاصة اختصوا بها ذكرت في الحديث : " هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون " ، وجاء ذكر السبب في دخولهم الجنّة بلا حساب ولا عذاب مصرّحا به في رواية أخرى للبخاري رحمه الله عن عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُمَّتِي قَالَ لا وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ . صحيح البخاري 6059 ، وجاء في وصفهم أيضا حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ ( شكّ أحد رواة الحديث ) لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر" رواه البخاري وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ" رواه البخاريُ ، وفي وصفهم أيضا روى مسلم في صحيحه من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وفيه : "ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لا يُحَاسَبُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ كَذَلِكَ " .
ولنا جميعا معشر المسلمين بشارات نبوية في هذا الحديث وغيره فأمّا هذا الحديث فإنّ له رواية عظيمة وزيادة كريمة جاءت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة من حديث أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "وَعَدَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ" نسأل الله سبحانه أن يجعلنا منهم . فإذا حسبت سبعين ألفا مع كلّ ألف من السبعين ألفا فكم يكون العدد الإجمالي لمن يدخل الجنّة دون حساب ؟؟ وكم عدد كلّ حثية من حثيات الرّب العظيم الكريم الرؤوف الرحيم ؟؟ نسأل الله أن يجعلنا في تلك الأعداد .
وأما البشارة الثانية فهي أنّ عدد أهل الجنة من هذه الأمّة هو ثلثا العدد الإجمالي لأهل الجنة ، فيدخل الجنة من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر ممن يدخلها من كلّ الأمم السابقة مجتمعين ، وقد جاءت هذه البشارة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي قال فيه لأصحابه يوما : "  أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ . " رواه البخاري 6047 ، ثم أكمل لنا صلى الله عليه وسلم البشارة في الحديث الصحيح الآخر الذي قال فيه : " أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ . " رواه الترمذي 3469 وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . فنحمد الله على نعمته ونسأله من فضله ورحمته ، وأن يُسكننا الجنّة بحوله ومنّته ، وصلى الله على نبينا محمد .

الذرية يستفيدون من صلاح آبائهم في ارتفاعهم معهم في الجنة

لكن يرجى إن دخل واحد من الزوجين الجنة وكان في درجة أعلى من زوجه أو ذريته أن يلحقهم الله تعالى به .
والذرية يستفيدون من صلاح آبائهم في ارتفاعهم معهم في الجنة إذا دخلوها قال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور/21 .
 والله اعلم.

من هم اليهود والنصارى الذين يدخلون الجنة


من هم اليهود والنصارى الذين يدخلون الجنة

كيف نجمع بين قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ( وبين أن من لم يؤمن من اليهود والنصارى بالإسلام فلن يدخل الجنة ؟.

الحمد لله
الآية التي أشرت إليها في سؤالك مذكورة في موضعين متشابهين من كتاب الله ، فالأول هو قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) سورة البقرة
والثاني هو قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(69) سورة المائدة
وحتى نفهم المراد من الآيتين فهما صحيحا فلا بدّ أن نرجع إلى علماء التفسير ، قال الإمام الكبير إسماعيل بن كثير رحمه الله في تفسير آية البقرة :
نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلّفونه كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" ..
 فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا ، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا.
( وقوله تعالى ) "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" .. إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه به فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة فاليهود أتباع موسى عليه السلام والذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم .. فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له فأصحابه وأهل دينه هم النصارى .. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق وجب عليهم تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانكفاف عما عنه زجر وهؤلاء هم المؤمنون حقا وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية .
ثم قال رحمه الله في تفسير آية المائدة :
والمقصود أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين وعملت عملا صالحا ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ولا هم يحزنون .

هل يوجد أحد بالجنة الآن

هل يوجد أحد بالجنة الآن

السؤال : هل هناك أحد في الجنة الآن (غير الأنبياء والملائكة) ؟أم أننا جميعا ننتظر يوم القيامة قبل أن ندخل الجنة أو النار ؟
سمعت أن بعض الناس رأوا الجنة أو أنهم في الجنة الآن أو أنهم ذهبوا للجنة ورأوا ما فيها وهم ليسوا أنبياء أو ملائكة.

الجواب :
الحمد لله
الجنة قد خلقها الله سبحانه وفرغ من خلقها لقوله سبحانه في الحديث القدسي : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت .. " الحديث . ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم رآها في ليلة الإسراء والمعراج ، ولغير ذلك من الأدلة .
وهل يدخلها أحد من البشر قبل يوم القيامة ؟
الظاهر أن ذلك على نوعين :
1-          دخوله بروحه كما هو حال الأموات ، فهذا ثابت للأنبياء ، والشهداء الذين تكون أرواحهم في حاصل طير خضر تسرح في الجنة . وكما هو الحال في الأحاديث التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها أنه دخل الجنة في المنام ( رؤيا النوم ) ، فإنها في حالات الأرواح .
2-          أما دخول الجنة بالجسد والروح فإنها تكون يوم القيامة للبشر وللجن . ويستثنى من هذا ما ذكر أن آدم عليه السلام كان في الجنة قبل أن ينزل إلى الارض ، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله وغيره  . والله أعلم .

http://islamqa.info/ar/4003

هل إذا مات الشخص قبل الأربعين يدخل الجنة

هل إذا مات الشخص قبل الأربعين يدخل الجنة

السؤال :
لقد اكتشفت شيئا عن الإسلام لم أكن أعرفه من قبل . إذا مات شخص قبل أن يبلغ سن 40 عاما ، وكان شخصا مستقيما في حياته (أو صاحب خلق) ويؤمن بعدة آلهة ، فهل يمكن أن يدخل الجنة ؟ لقد سمعت أنه يُغفَر لمن يُؤمن بغير الإسلام إذا مات قبل بلوغه سن تحمل المسؤولية (40 عاما) . فعلى سبيل المثال ( JFK الإبن) مات وهو في 38 من عمره ، فإذا كان شخصا متواضعا فهل يمكن أن يدخل الجنة ؟ سأقدر إجابتك على هذا السؤال .

الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام غير صحيح البتة ، إذ أنَّ الإسلام منذ أن انبثق فجره ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي رسولاً إلى كافة الإنس والجن ، قد أغلق جميع الطرق الموصلة إلى الجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم ، فمن مات وهو يدعو مع الله إلهاً آخر سواء كان وثناً أو ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً أو حجراً أو شجراً أو قبراً أو جنياً أو ضريحَ ولي أو أحداً من آل بيت النبوة أو غيرهم كائناًً من كان بعدما أُقيمت عليه الحجة وأصر فإنه من أهل النار خالداً مخلداً فيها أبداً ، لا يدخل الجنة أبداً ، وإليك نصوص الكتاب والسنة المتواترة في بيان هذا الأمر : قال تعالى مبيناً أنه لن يقبل من أحد ديناً يدين به غير دين الإسلام الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وقال تعالى : ( اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً ) وقال جل شأنه ( إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً ) وقال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلتُ به إلا كان من أهل النار ) وقد توعد الله تعالى الكفار في النار بالخلود الأبدي فيها في آيات من كتابه الكريم فقال تعالى في سورة النساء ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً ) وقال تعالى في سورة الأحزاب ( إنَّ الله لعن الكافرين وأعدَّ لهم سعيراً خالدين فيها أبداً ) وقال تعالى في سورة الجن ( ومن يعص الله ورسوله فإنَّ له نار جهنم خالدين فيها أبداً ) وقال تعالى في بيان حال المشركين به ( ومن يشرك به فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) . وما أرسل الله الرسلَ وما أنزل الكتبَ إلا لتوحيده وإخلاص العبادة له وحده سبحانه لا شريك الله ، وهذا الواجب على المرء الإيمان به قولاً وعملاً واعتقاداً إذ أنه هو وحده سبحانه المستحق للعبادة وعلى هذا يشير قوله تعالى ( ذلك بأنَّ الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ) ولقد تضافرت الآيات الكريمة على هذا المعنى كقوله تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) وقوله تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) وقوله تعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) ، ولقد اتفقت كلمة الرسل في الدعوة إلى هذا الأمر وتقريره ، قال سبحانه وتعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) ، ولهذا فقد اشتد كفر العرب لما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم داعياً إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وترك ونبذ كل الأنداد والوسطاء والشركاء والكفر بهم جميعاً ، قال تعالى مخبراً عن حالهم ( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا ألهتنا لشاعر مجنون ، بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) ، وأخبر سبحانه وتعالى أن كل من عبد أو دعا مع الله إلهاً آخر فإنه سيحشره معه في نار جهنم ، قال تعالى ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء ألةً ما وردوها وكل فيها خالدين ، لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون ) . والخلاصة من هذا كله أن العبد إذا مات بعد البلوغ وهو مشرك كافر بالله يدعو مع الله إلهاً آخر ويؤمن بآلهة أخرى تنفع وتضر أو أن لها من الأمر شيئاً فإنه كافر من أهل النار خالداً مخلداً فيها أبداًً ولو كان دون سن 40 أو اكثر منها ، إذا أن العبرة في الإسلام بالبلوغ فقط ، ويحصل البلوغ بأحد ثلاثة أمور للذكر وتزيد عليه المرأة أمراً رابعاً ، وهذا العلامات الثلاثة هي كما يلي :
1 - بلوغ سن خمسة عشر عاماً .
2 - إنبات شعر العانة ( القبل ) للرجل أو المرأة .
3 - نزول المني وخروجه بشهوة ، سواء كان باحتلام أو جماع أو بأي وسيلة أخرى .
وتزيد المرأة بعلامة رابعة وهي : نزول دم الحيض منها .
فإذا وجدت أحد هذه العلامات حكم ببلوغ العبد ، فيكون مكلفاً مأموراً بكل أمر ، منهياً عن كل نهي ، وليس معنى هذا أنه يجوز للطفل أو من لم يبلغ أن يشرك بالله أو أن يدعو غيره أو أن يدعو أحداً معه ، إذ أنه لو فعل ذلك عُـــدَّ كافراً ، لكنه إن مات على الكفر قبل البلوغ فهذا أمره إلى الله تعالى في الآخرة . وأما كونه كان طيباً أو متواضعاً أو كريماً أو باراً بوالديه أو نحو ذلك من صفات الخير فإن هذا لا ينفعه أبداً عند الله ، وسيأخذ حقه معجلاً في الدنيا ، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إنَّ عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويفك العاني ويكرم الضيف ( وعددت بعض صفات الخير فيه لكنه كان مشركاً ومات على الشرك ) فهل ينفعه ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) يعني أنه كان كافراً لا يؤمن بالبعث والنشور والحساب فلم تنفعه أعماله التي كان يقوم بها ، ومثله حاتم الطائي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنته سفانة : لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه .
والله تعالى أعلم .

ماذا للنساء في الجنة

ماذا للنساء في الجنة

السؤال:
امرأة تسأل وتقول : أنا مؤمنة بالله وبكتابه حق الإيمان والحمد لله إيماني بالله يقوى يوماً بعد يوم…
سؤالي هو : أنّ القرآن الكريم دائماً يذكر الجزاء في الآخرة تكراراً ومراراً للرجال والحور العين والناس يقولون أن الإسلام دين السيطرة فيه للرجل فلماذا لم يذكر الجزاء للمرأة ؟.

الجواب:
الحمد لله
أيتها الأخت السائلة ما دمت تؤمنين بالله وبكتابه فلا بدّ أنّك تعلمين أنّ الله قال في كتابه الكريم وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49) الكهف
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا(40) النساء
لقد أنزل الله هذه الشريعة للرجال والنساء سواء وكلّ خطاب للرجال في القرآن فهو خطاب للنساء وكلّ حكم خوطب به الرّجال فالنساء مخاطبات به إلا ما دلّ الدليل على التفريق بينهما كأحكام الجهاد والحيض والمحرم والولاية وغير ذلك .
والدليل على أنّ خطاب الشارع وإن جاء بصيغة المذكّر فإنّ النساء داخلات فيه ما جاء عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلا يَذْكُرُ احْتِلامًا قَالَ يَغْتَسِلُ وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلا يَجِدُ الْبَلَلَ قَالَ لا غُسْلَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ قَالَ نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ " : رواه أبو داود والترمذي 113وغيرهما والعبارة الأخيرة منه " إنما النساء .. في صحيح الجامع 2333
وأما بالنسبة للجزاء في الآخرة وماذا للمرأة في الجنّة فإليك هذه الطائفة من الآيات والأحاديث :
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ(195) آل عمران والحديث رواه الترمذي رقم 3023
قال ابن كثير رحمه الله : (يقول تعالى "فاستجاب لهم ربهم" أي فأجابهم ربهم .. وقوله تعالى "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى" هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبرا أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى وقوله "بعضكم من بعض" أي جميعكم في ثوابي سواء ..)
وقال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا(124) النساء
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية : " بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير وهو النقرة التي في ظهر نواة التمرة .. "
 وقال عزّ وجلّ : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97) النحل
قال ابن كثير رحمه الله : " هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله رسوله وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة والحياة الطيبة تشتمل وجوه الراحة من أي جهة كانت "
 وقال الله تعالى : (من عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ(40) غافر
وأخيرا إليكِ أيتها الأخت السائلة هذا الحديث الذي سيقضي تماما بإذن الله على كلّ وسوسة في صدرك بشأن ذكر النساء :
عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلاّ لِلرِّجَالِ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) الآيَةَ رواه الترمذي 3211 وهو في صحيح الترمذي 2565
وفي مسند الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا لا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ قَالَتْ فَلَمْ يَرُعْنِي مِنْهُ يَوْمًا إِلاّ وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَالَتْ وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِي فَلَفَفْتُ شَعْرِي ثُمَّ دَنَوْتُ مِنَ الْبَابِ فَجَعَلْتُ سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(35) الأحزاب
نسأل الله لنا ولك الإخلاص في القول ، والعمل والثبات على هذا الدّين وصلى الله على نبينا محمد.

منازل ودرجات الجنة والنار وأعمالهما

منازل ودرجات الجنة والنار وأعمالهما

كم جنة ونار يوجد ؟ وكيف تختلف مراتبها ؟ وماذا يجب أن تفعل لتكون في كل مستوى ؟.

الحمد لله
أولاً :
من حيث العدد هي نارٌ واحدة وجنة واحدة ، لكن كل منهما درجات ومنازل . وقد يأتي في السُنَّة ذكر الجنة بالجمع وليس المراد تعدد جنس الجنة وإنما الإشارة إلى عظمتها ودرجاتها وأنواعها أو إلى عظمة أجر من يدخلها كما في حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ـ وفي رواية إنها جنان كثيرة ـ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى ) رواه البخاري(2809)
ثانياً :
تختلف دركات النار باختلاف كفر أهلها في الدنيا ، والمنافقون في الدرك الأسفل منها كما قال ربنا تبارك وتعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا ) النساء/145 وأخف دركاتها - والعياذ بالله - ما أشار إليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ـ وفي رواية توضع في أخمص قدميه جمرتان ـ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِ الْمِرْجَلُ ـ إي القِدْر ـ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا ) رواه البخاري (6562) ومسلم (212) ، وجاء تعيينه في إحدى روايات مسلم بأنه أبو طالب عم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خفف الله تعالى عليه لما كان له من دور في حماية الإسلام في بداياته . ثالثاً :
لا يُعرف تحديداً عدد درجات الجنة ، وقد قيل إنها بعدد آيات القرآن الكريم أخذا من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها " . رواه أبو داود ( 1464 ) والترمذي ( 2914 ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال المنذري في الترغيب : قال الخطابي : جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة , فيقال للقارئ ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن , فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة , ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك , فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة . " الترغيب والترهيب " ( 2 / 228 ) .
لكن في كلامه هذا نظر؛ لأن الحديث في بيان " منازل " الحفظة وليس في درجاتهم ، وتختلف الدرجات باختلاف العاملين في الدنيا ، كما أن هناك أعمال أخرى يتفاضل الناس بها كالصِّدِّيقيَّة والجهاد وغيرها فعليه لا يلزم أن يكون صاحب القرآن الحافظ لأكمله في أعلى درجات الجنة على الإطلاق .
وأعلى درجات الجنة هي الفردوس كما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ".. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، فوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة " . رواه البخاري ( 2637 ) ومسلم ( 2831 ) .
ومعنى " أوسط الجنة " أي : أفضلها وأعدلها ، ومثله قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } .
وقد جاءت السنَّة ببيان بعض الأعمال وبيان درجات أهلها ، ومنها :
1. الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر أي النجم في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ، قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : بلى ، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " . رواه البخاري ( 3083 ) ومسلم ( 2831 ) .
2. الجهاد في سبيل الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " .. إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض " . رواه البخاري ( 2637 ) .
3. وقد يحصِّلها الصادق في سؤاله للشهادة بصدق
عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " . رواه البخاري ( 1909 ) .
4. الإنفاق في سبيل الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون ...) رواه البخاري ( 807 ) ومسلم ( 595 ) .
5. إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط . رواه مسلم ( 251 ) .
6. حافظ القرآن
لحديث عبد الله بن عمرو الذي سبق ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها " . رواه أبو داود ( 1464 ) والترمذي ( 2914 ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
فعلى من سمت همته أن يتطلع للأعلى ، ويعمل لينال رضي الله ، ويدخل جنة الفردوس ، وها هي الأعمال قد وعد الله أهلَها بتلك الدرجات ، فكم بين زهد الناس عنها وتشميرهم لها .
والله أعلم .

الطريق إلى الفردوس الأعلى

الطريق إلى الفردوس الأعلى

السؤال: هل الوصول للفردوس الأعلى من الجنة طريق صعب ، وقليل من يصله ؟ رسولنا الكريم قال ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى .... الحديث) فهل لو أكثرت من الدعاء ( اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة ) ، هل ممكن أن أبلغها بفضل الله تعالى ، حتى ولو كان عملي لا يوصلني لتلك المنزلة ؟ وما هي أقرب الأعمال التي توصلنا إلى هناك بإذن الله تعالى ؟ أيضا هناك حديث لرسولنا صلى الله عليه وسلم (من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة ....الحديث) فهل يجوز لي أن أقول مباشرة (اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة) بدلا من قول (اللهم إني أسألك الجنة) ؟

الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى الترمذي (2450) وحسنه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ) . صححه الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره .
فالجنة سلعة غالية ، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها ، ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله بمزيد فضله .
وروى الترمذي (3174) وصححه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( َالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا ) وصححه الألباني .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ) متفق عليه .
فإذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره وأنواع المشاق ، فكيف بأعلى درجاتها وأسمى منازلها ؟
هذا يدل على أن الأمر ليس بالأمر الهين .
قال ابن القيم :
" أنزه الموجودات وأظهرها ، وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتا وقدرا وأوسعها : عرش الرحمن جل جلاله ، ولذلك صلح لاستوائه عليه ، وكل ما كان أقرب إلي العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه ؛ ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفها وأنورها وأجلها ، لقربها من العرش ، إذ هو سقفها ، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق ، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير " انتهى .
"الفوائد" (ص 27)

وأهل الفردوس الأعلى هم السابقون المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا ، قال الله تعالى :
( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) الواقعة/10 – 12
قال السعدي :
" والمقربون هم خواص الخلق " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 833)
قال ابن كثير :
" من سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير ، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (7 / 517)

ثانيا :
ليعلم أن من أعظم أسباب حصول المطلوب ، والنجاة من المرهوب : الدعاء ، فإن الدعاء هو العبادة ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما أنه عبادة محبوبة لله ، فهو سبب في حصول المطلوب ، ومن أراده الله به خيرا ، وفقه لأسبابه ، ويسر له العمل الذي يؤهله لذلك ؛ كما قال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) سورة الليل /5-10 .
روى البخاري (2790) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ )
قال الحافظ :
" يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ , وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ - : ( فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ) " انتهى .

ثالثا :
اعلم ـ يا عبد الله ـ أن نيل الدرجات في الدنيا والآخرة ، ليس بالأماني ولا الأحلام ، وإنما هو بسلوك أسباب ذلك ، ولولا ذلك ما كان فرق بين الصادق والكاذب ، وهذا من حكمة الله تعالى في تكليفه لعباده ، وأمرهم بما أمرهم به .
قال الله تعالى : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) سورة النساء /123-124.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
أي: { لَيْسَ } الأمر والنجاة والتزكية { بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } والأماني : أحاديث النفس المجردة عن العمل ، المقترن بها دعوى مجردة ، لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها . وهذا عامّ في كل أمر ، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية ؛ ... فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها " . "تفسير السعدي" (205) .
رابعا :
ومن أهم الأعمال التي تبلغ المسلم الدرجات العلى ، ولعلها أن تبلغه الفردوس الأعلى برحمة الله :
-       الجهاد في سبيل الله :
وقد تقدم في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وروى مسلم في صحيحه (1884) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَا أَبَا سَعِيدٍ ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ . فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ ، فَقَالَ : أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ ، وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ !! قَالَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
-       الإخلاص والصدق مع الله :
روى مسلم (1909) من حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ).
قال النووي رحمه الله :
" َفِيهِ : اِسْتِحْبَاب سُؤَال الشَّهَادَة , وَاسْتِحْبَاب نِيَّة الْخَيْر " انتهى .
-       الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين :
قال الله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) الكهف / 107
قال السعدي :
" يحتمل أن المراد بجنات الفردوس : أعلى الجنة ، وأوسطها ، وأفضلها ، وأن هذا الثواب ، لمن كمل فيه الإيمان والعمل الصالح ، والأنبياء والمقربون .
ويحتمل أن يراد بها : جميع منازل الجنان ، فيشمل هذا الثواب ، جميع طبقات أهل الإيمان ، من المقربين ، والأبرار ، والمقتصدين ، كل بحسب حاله ، وهذا أولى المعنيين لعمومه " انتهى . تفسير السعدي - (488) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ) .
متفق عليه .
قال الحافظ :
" قَوْلُهُ : ( وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ) أَيْ حَقّ تَصْدِيقهمْ ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ رُسُله وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ .

- إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ) . رواه مسلم (251) .
- الطاعات التي ورد في الأخبار الصحيحة أنها سبب في معية النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبته في الجنة :
روى مسلم (489) عن ربيعة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي : سَلْ فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ . قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ . قَالَ : فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ .
وروى مسلم (2983) أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ) وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .
وروى أيضا (2631) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ) وَضَمَّ أَصَابِعَهُ .
وروى الإمام أحمد (12089) عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ ) وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .
صححه الألباني في "الصحيحة" (296)

وبالجملة : فالاجتهاد في الأعمال الصالحة ، والمسارعة في الخيرات ، واستدامة العمل الصالح ، وصنائع المعروف ، ومسابقة أهل الخير والصلاح : أصل الوصول إلى غاية المأمول في الدنيا والآخرة ، ولو كانت تلك الغاية هي الفردوس الأعلى .
وينظر جواب السؤال رقم : (27075) .
والله أعلم .